الدكتور المجاهد أيمن الظواهري يحفظه الله
الولاء والبراء
4
3
2
1
الصفحة


2- بغض الكافرين وترك مودتهم

أ- نهانا الله سبحانه وتعالى أن نواد من حاد الله ورسوله

قال الله تعالى:لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون المجادلة 22 قال ابن كثير رحمه الله: "وقيل في قوله تعالى: ولو كانوا آباءهم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر، أو أبناءهم في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، أو إخوانهم في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ، أو عشيرتهم في عمر قتل قريباً له يومئذ أيضاً، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ فالله أعلم

قلت:ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله -صلى الله عليه وءاله وسلم- المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم، وقال عمر: "لا أرى ما رأى يا رسول الله، هل تمكنني من فلان -قريب لعمر- فأقتله، وتمكن علياً من عقيل، وتمكن فلاناً من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين" القصة بكمالها

وقال ابن عباس: وأيدهم بروح منه أي قواهم

وفي قوله تعالى: رضي الله عنهم ورضوا عنه سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه" تفسير ابن كثير ج4 ص330، 331

وقال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل* إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون* لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير*قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير* ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم *لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد* عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم*لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمونالممتحنة 1- 9 قال ابن كثير رحمه الله: "كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة


قال الإمام أحمد 179

أن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع علياً -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد، فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها"، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا: أخرجي الكتاب قالت: ما معي كتاب قلنا: لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟"، قال: لا تعجل علي، إني كنت أمرأً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه صدقكم"، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة خ3007 م2494 د2650 ت3305 س كبرى11585 من غير وجه عن سفيان بن عيينة به، وزاد البخاري في كتاب المغازي 4274 فأنزل الله السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء

يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معهإذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم أي تبرأنا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم أي بدينكم وطريقكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا ما دمتم على كفركم، فنحن أبداً نتبرأ منكم ونبغضكم حتى تؤمنوا بالله وحده أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد" تفسير ابن كثير ج4 ص345- 349

وقال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور الممتحنة 13قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم يعني اليهود، وذلك أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين، ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهوا عن ذلك

وقيل: إن الله تعالى ختم السورة بما بدأها من ترك موالاة الكفار، وهي خطاب لحاطب بن أبي بلتعة وغيره

قال ابن عباس: يا أيها الذين آمنوا لاتتولوا أي لا توالوهم ولا تناصحوهم، رجع تعالى بطوله وفضله على حاطب بن أبي بلتعة " تفسير القرطبي ج 18 ص 76

ب- وأخبرنا سبحانه أن الكفار يبغضون المسلمين

قال الله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم البقرة 105

وقال الله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم البقرة 109

وقال الله تعالى: هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط آل عمران 119- 120 قال القرطبي رحمه الله: "والمعنى في الآية: أن من كانت هذه صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين لم يكن أهلاً لأن يتخذ بطانة، لاسيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو ملاك الدنيا والآخرة" تفسير القرطبي ج4 ص181- 183

ج- كما أخبرنا سبحانه أنهم لن يرضوا عن المؤمنين طالما استمروا على إيمانهم

قال الله تعالى: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير البقرة 120- 121

د- بل إنهم يتمنون أن يردوا المؤمنين كفاراً بعد إيمانهم

قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين آل عمران100

وقال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين آل عمران 149 قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "يعني بذلك -تعالى ذكره- يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله في وعد الله ووعيده وأمره ونهيه، إن تطيعوا الذين كفروا يعني الذين جحدوا نبوة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- من اليهود والنصارى فيما يأمرونكم به وفيما ينهونكم عنه، فتقبلوا رأيهم في ذلك، وتنتصحوهم فيما تزعمون أنهم لكم فيه ناصحون، يردوكم على أعقابكم يقول: يحملوكم على الردة بعد الإيمان، والكفر بالله وآياته وبرسوله بعد الإسلام، فتنقلبوا خاسرين يقول: فترجعوا عن إيمانكم ودينكم الذي هداكم الله له، خاسرين يعني هالكين قد خسرتم أنفسكم وضللتم عن دينكم، وذهبت دنياكم وآخرتكم، ينهي بذلك أهل الإيمان بالله أن يطيعوا أهل الكفر في آرائهم وينتصحوهم في أديانهم تفسير الطبري ج4 ص122، 123

هـ- العلاقة بين محبة المولى –سبحانه- وموالاة المؤمنين والجهاد في سبيل الله

ونود بعد أن بينا أمر الشريعة بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أن نذكر كلاماً نفيساً لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في العلاقة الوثيقة بين محبة المولى –سبحانه- والجهاد قال ابن تيمية رحمه الله: " واسم المحبة فيه إطلاق وعموم، فإن المؤمن يحب الله ويحب رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين وإن كان ذلك من محبة الله، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره، فلهذا جاءت محبة الله مذكورة بما يختص به سبحانه من العبادة والإنابة إليه والتبتل له ونحو ذلك، فكل هذه الأسماء تتضمن محبة الله سبحانه وتعالى

ثم إنه كان بيَّن أن محبته أصل الدين فقد بيَّن أن كمال الدين بكمالها، ونقصه بنقصها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"، فأخبر أن الجهاد ذورة سنام العمل، وهو أعلاه وأشرفه، وقد قال تعالى: التوبة أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله إلى قوله أجر عظيم، والنصوص في فضائل الجهاد وأهله كثيرة، وقد ثبت أنه أفضل ما تطوع به العبد، والجهاد دليل المحبة الكاملة، قال تعالى: التوبة قل إن كان آباؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم الآية وقال تعالى في صفة المحبين المحبوبين: المائدة يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم

فإن المحبة مستلزمة للجهاد، ولأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يوالي محبوبه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه، فهو موافق في ذلك

وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم، ويغضب لغضبهم، إذ هم إنما يرضون لرضاه، ويغضبون لما يغضب له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر في طائفة فيهم صهيب وبلال: "لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فقال لهم: يا إخوتي هل أغضبتكم، قالوا: لا يغفر الله لك يا أبا بكر

وكان قد مر بهم أبو سفيان بن حرب فقالوا: ما أخذت السيوف مأخذها، فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لسيد قريش؟ وذكر أبو بكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له ما تقدم، لأن أولئك إنما قالوا ذلك غضباً لله لكمال ما عندهم من الموالاة لله ورسوله والمعاداة لأعدائهما، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح فيما يروى عن ربه: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه" التحفة العراقية ج1 ص63، 64

وقال ابن تيمية رحمه الله عن موالاة اليهود والنصارى: "فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية، فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد

والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين، وقال تعالى فيما يذم به أهل الكتاب: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون

فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم

وقال سبحانه وتعالى: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فمن واد الكفار فليس بمؤمن، فالمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة كما تقدم تقرير مثل ذلك اقتضاء الصراط المستقيم ج1 ص221، 222

وقال أيضاً رحمه الله: "والمؤمن عليه أن يعادى فى الله، ويوالى فى الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه، وإن ظلمه، فان الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون أخوة، فجعلهم أخوة مع وجود القتال والبغى والأمر بالاصلاح بينهم

فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وان ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وان أعطاك وأحسن اليك، فان الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والاهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه

واذا اجتمع فى الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع فى الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذى اتفق عليه أهل السنة والجماعة" مجموع الفتاوى ج28 ص207- 209

و- رد شبهة

فإن قيل فما معنى قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين؟ ألا يدل هذا على جواز التودد إلى الكفار ومحبتهم؟

والرد عليها أن البر وهو إيصال الخير، والقسط وهو العدل، لا يدخلان في الموالاة المحرمة التي تتضمن المحبة والتواد والنصرة باليد واللسان والمتابعة في الاعتقاد والأفعال واتخاذ الكافرين بطانة وإطلاع الكافرين على أسرار المسلمين

قال الشافعي رحمه الله: "قال الله عز وجل: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدينالآيتين، قال: يقال -والله أعلم- إن بعض المسلمين تأثم من صلة المشركين، أحسب ذلك لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسولهالآية، فلما خافوا أن تكون المودة الصلة بالمال أنزل لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا عل إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون

قال الشافعي رحمه الله: وكانت الصلة بالمال والبر والإقساط ولين الكلام والمراسلة بحكم الله غير ما نهوا عنه من الولاية لمن نهوا عن ولايته مع المظاهرة على المسلمين، وذلك أنه أباح بر من لم يظاهر عليهم من المشركين والإقساط إليهم، ولم يحرم ذلك إلى من أظهر عليهم، بل ذكر الذين ظاهروا عليهم فنهاهم عن ولايتهم، وكان الولاية غير البر والإقساط، وكان النبي فادى بعض أسارى بدر وقد كان أبو عزة الجمحي ممن من عليه، وقد كان معروفاً بعداوته والتأليب عليه بنفسه ولسانه، ومن بعد بدر على ثمامة بن أثال وكان معروفاً بعداوته، وأمر بقتله ثم من عليه بعد إساره، وأسلم ثمامة، وحبس الميرة عن أهل مكة، فسألوا رسول الله أن يأذن له أن يميرهم، فأذن له فمارهم، وقال الله عز وجل: ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً والأسرى يكونون ممن حاد الله ورسوله" أحكام القرآن للشافعي -رحمه الله- ج2 ص191- 194

قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً جواز الصدقة والوقف على مساكين أهل الذمة: "لقوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون فإن الله سبحانه لما نهى في أول السورة عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء، وقطع المودة بينهم وبينهم، توهم بعضهم أن برهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة، فبين الله سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها، وأنه لم ينه عن ذلك، بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه وكتبه على كل شيء، وإنما المنهي عنه تولي الكفار والإلقاء إليهم بالمودة أحكام أهل الذمة ج1 ص602

قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، ولم يظاهروا أي يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم، أن تبروهم أي تحسنوا إليهم، وتقسطوا إليهم أي تعدلوا، إن الله يحب المقسطين

وقال الإمام أحمد 6345 حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم صِلي أمك" أخرجاه خ5219 م2130" تفسير ابن كثير ج4 ص350- 351

4
3
2
1
الصفحة

الدكتور المجاهد أيمن الظواهري
الدكتور المجاهد أيمن الظواهري
الشيخ المجاهد أسامة بن لادن
الشيخ المجاهد أسامة بن لادن
الدكتور المجاهد أيمن الظواهري
الدكتور المجاهد محفوظ ولد الوالد
الشيخ عبد العزيز الجربوع
2/4 الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود < الدكتور أيمن الظواهري < مطالعات < السحاب للإنتاج الإعلامي
إصدارات
السحاب للإنتاج الإعلامي 1424هـ
المواد المنشورة هنا تعبر عن ءاراء أصحابها ولنا الصواب مما ورد فيها